عاد الزخم الى ملف استثمار النفط والغاز بعد عرقلته وتجميده لأربع سنوات بسبب المناكفات السياسية فقط لا غير وان تذرع البعض بعوامل اقليمية ودولية لم يتسنى للبنان ان يختبر جديتها وحقيقتها اصلا. على اي حال، اعيد اطلاق الملف بعد التفاهمات السياسية الداخلية، مما بعث بإشارات ايجابية باتجاهات مختلفة: محلية، اقليمية ودولية. وبانتظار خارطة الطريق التي سترسم آلية عملية تشرع امام لبنان ابواب نادي منتجي النفط والغاز، ظهرت اولى ملامح “معارضة نفطية” تسوق لنفسها على انها بناءة ولكنها بالفعل هدامة…
لا نتكلم هنا عن الخبراء في مجال الطاقة ولا عن المنظمات الغير حكومية المتابعة لملفات الفساد والشفافية والادارة الرشيدة، ولا عن الناشطين والسياسيين الحريصين على المصلحة العامة. نتكلم عن جبهة معارضين ليسوا بخبراء نفط وغاز ولا يمتهنون مكافحة الفساد والهدر ولا يخشون على المال العام… فنحن امام جبهة معارضين ظرفيين يمثلون ثلاث فئات:
– منهم من رأى نفسه خارج التركيبة التي انتجت التفاهمات الكبرى ومنها التفاهم حول ملف النفط وهو يتخبط اعلاميا من اجل اعادة التموضع السياسي
– ومنهم من يرى نفسه يسير في منحى سياسي انحداري قد تضعفه أكثر وتهمشه التفاهمات الحاصلة وخصوصا ما يتعلق منها بقانون الانتخاب
– ومنهم ايضا من يرى في اي موضوع خلافي مادة للتهجم على خصوم سياسيين وهم قد يستغلون ظرفيا، وربما مؤقتا ومن دون متابعة جدية، موضوع النفط لتصفية حسابات سياسية.
والملاحظ لدى الفئات الثلاث انها تقف خلف مبادئ عامة حميدة وخصوصا ما هو اليوم مربح اعلاميا وشعبويا: رفض المحاصصة (وهو الشعار الذي يرفعه أحد اركان المحاصصة منذ عقود والذي بات يخشى اليوم على حصته في التركيبة السياسية القادمة) وتشجيع الشفافية والادارة الحكيمة وشعارات اخرى رنانة، والخوف على مصير الصندوق السيادي، واستنكار التسرع في درس الملف في الحكومة (ملف كان للأفرقاء أربع سنوات لدرسه)، او الاعتراض على استعمال الوزير المختص لصلاحياته الدستورية في اخذ القرارات المتعلقة بوزارته…
في لبنان، الذي يحتل المراتب الغير مشرفة على قائمة الفساد والشفافية، الخوف من المحاصصة ومن توزيع المغانم كما الخوف على هدر المال العام ومن الاستغلال الغير سليم للثروات هو بالأمر المبرر والطبيعي. لكن ان يستغل خوف المواطن هذا من قبل من مأسس هذه التصرفات العبثية فهذا شيء مضحك مبكي… في لبنان برلمان سيتجدد في ال٢٠١٧ يجب الاعتماد عليه لمواكبة ملف النفط بتفاصيله، ومؤسسات رقابية (يجب تفعيلها) وقضاء (يجب فرض هيبته كي يقوم بواجبه على أكمل وجه) ومجتمع مدني ناشط واعلام متابع. وان لم تكن كل هذه المؤسسات والجهات لتراقب بفاعلية عمل السلطة التنفيذية وملف استراتيجي وحيوي كملف النفط، فكيف لمن اعتمد المحاصصة والرشوة السياسية والفساد كمنظومة حكم ان ينجح في ذلك؟