شركة بترول وطنية للبنان؟ نقاش سابق لأوانه وغير مكتمِل


نشر هذا المقال في جريدة النهار في 17 حزيران 2016.

ثلاث سنوات وقطاع النفط والغاز الناشئ في لبنان مصاب بشلل شبه تام. لقد ساهم نجاح دورة التأهيل المُسبَق عامّ 2013 في دفع القطاع إلى الواجهة. لكنَّ دورة التأهيل هذه لم تَتبعها دورة تراخيص، التي علّقت لأسباب متعددة، البعض منها مقنع والبعض الآخر غير مقنع. ولَم تُمنَح أيُّ تراخيصَ، ولَم يُجرَ أيُّ تنقيب؛ ولم يسجّل أيُّ اكتشافٍ.

مع ذلك، يبدو النقاشُ عن النفط والغاز في البلاد غافلًا عن هذه الحقائق. فتعقد المؤتمرات، وإنْ كانت على نطاقٍ أصغرَ بكثيرٍ ممّا جرى قبل بضْع سنوات. وبدلًا من الاستثمارات، والطموحات الكبرى، نكتفي الآن ببناءُ القدرات والمطالب الاجتماعية. معظم الجامعات أطلقت تخصُّصاتٍ جديدةً لإعداد الشباب اللبناني للعمل في مجال الصناعة البترولية في لبنان. وقريبًا ستدخل الدفعةُ الأُولى من الخرِّيجين إلى السوق، في ظلّ غيابٍ كامل لهذه الصناعة. لكنّ أغربَ نقاشٍ دائرٍ وجاذبٍ كلّ الحماسة في الأسابيع والأشهُر الماضية، قد يكون مسألةَ ما إذا على لبنان، أَم لا، إنشاءُ شركةِ وطنية للنفط… الآنَ. عاجِلًا وليس آجِلًا.

تَنصّ المادة 6 من قانون الموارد البترولية في المياه البحرية اللبنانية عامّ 2010 على إمكان إنشاء شركة بترولٍ وطنية “عند الاقتضاء وبعد التحقّق من وجود فرصٍ تجارية واعدة”. وفي هذا النصّ درجةٌ من الحذر يُرحَّب بها، لكنها تُربَط بنيةٍ لعزل الدولة عن الأنشطة البترولية لصالح القطاع الخاص، وبتبديدٍ لثروة الأمة. والدعواتُ إلى إنشاء شركة بترولٍ وطنية قبل سنواتٍ من أيّ تحقُّقٍ ممكن هي، على أفضل تقديرٍ، موضعَ شكّ؛ وتُثير المخاوفَ من أنّ الشركةَ ستواجه التحدِّياتِ التعجيزيةَ نفسَها التي تعانيها معظمُ المؤسّسات العامّةِ الأُخرى في لبنان منذُ فترةٍ طويلة: المحسوبيةَ وأعدادًا كبيرة من الموظفين، على حساب الإنتاجية.

يَفتقر النقاش إلى رؤيةٍ استراتيجية. وكما هو الحال مع المؤسّسات العامّة في لبنان، خصوصًا تلك العامّلةَ في قطاعٍ مُربح، يُنظَر إلى هذه المؤسّسات كأدَوات للتأثير السياسي أكثرَ من كوْنها كأجهزةٍ تهدف إلى التنفيذ الفعّال لسياسةٍ معيَّنة.

لا تكفي الدعوةُ إلى إنشاء شركةِ بترولٍ وطنية في هذه المرحلة، مع أنّ إنشاء مثل هذه الشركة قبل أيّ اكتشافٍ للبترول أو الغاز ليس بالأمر الشاذِّ كلِّيًّا. لكنْ ثمّةَ سلسلةٌ من الأسئلة يجب أن تُدرَس بعناية، خصوصًا أننا في مرحلةِ ما قبلَ الاكتشاف.

ما هي صلاحيات الشركة وما أهدافُها؟ وقد يتطلّب هذا الأمرُ إعادةَ النظر في الإطار التشريعي، مع تدخّلاتٍ ومماطلاتٍ حتميّة من قبل طرفٌ سياسيٌّ أو أكثر حسب ما تقتضي المصلحة. هل هناك خطرٌ تكاثر المؤسّسات؟ فتكاثُرُ المؤسّسات التي تتناول كلُّها القضايا ذاتَها من دون تقسيمٍ واضح للأدوار والمسؤوليات لا يمكن أن يضمن إدارةً سليمة، كما يُشكّل خطرَ ازدواجية العمل. ومن المهمّ أيضًا انسجامُ الطموح مع الواقع والموارد المتاحة، لأنّ الطموحاتِ المُبالَغَ فيها غالبًا ما تنتهي بخيبة أمل.

هل لدى الشركةِ القدرةُ على القيام بدورها؟ فمن المهم فهم الوقت والمواردِ اللازمة لتطوير القدرات المطلوبة، وإدخالُ العقبات المحتملة في الحساب. ومن المهمّ أيضًا إدراكُ نقاط الضعف على نحوٍ تامّ، ومقاومةُ الرغبة في تجاهُلها بالادّعاء، مثلًا، أنّ في إمكاننا اللجوء إلى خدمات وقدرات المغترِبين اللبنانيِّين. فالتجربةُ تُبيِّن أنّ حجّة الاستعانة بخبرة المغترِبين اللبنانيِّين تُستعمَل أكثرَ بكثيرٍ ممّا تُستعمَل خدماتهم بالواقع.

ما حجم القوة العامّلة؟ وكيف سيَجري اختيارُ الموظفين؟ ففي لبنان، تَصعُب جدًّا مقاومةُ النَّزعات الزبائنيّة والتوظيفٍ الجَماعي. ولبعض الدّاعين إلى إنشاء شركة بترولٍ وطنية في هذه المرحلة سجِلٌّ سيِّءٌ في هذا الصدد.

ما هي المواردُ اللازمة لأداء الشركة دوْرَها، علْمًا بأنّ سيْلَ الإيرادات ربّما لن يكون كافيًا في مرحلةِ ما قبلَ الاكتشاف؟ فمِن الأهمية البالغة فهمُ المتطلّبات المالية وامتلاكُ الوسائل لتأمينها؛ ويجب اِبقاءُ النفقات تحت السيطرة في مرحلةِ ما قبلَ الاكتشاف، مع نشاطِ استكشافٍ برِّيٍّ محدود ونشاطِ استكشافٍ بحريٍّ غيرِ موجود.

ما الضماناتُ التي يقترحها مؤيِّدو إنشاء الشركة لتخفيف حدّة المخاوف من أنها لن تكون سيِّئةَ الإدارة، أو أنها لن تُجفِّف أموالًا عامّة؟ فبعدَ تجربة مؤسّسة كهرباء لبنان، اِعتَبِروا اللبنانيين مصدومين، وعالِجوا مخاوفَهم؛ إذ هل هناك أيُّ أسبابٍ وجيهة للاعتقاد بأنّ هذه الشركةَ ستكون استثناءً، ولن تُدار بالطريقة نفسِها تمامًا التي تُدار فيها الشركاتُ العامّة في البلد؟

إذا كانت التجارب الأخيرة مع الشركات العامّة اللبنانية تُشير إلى أيّ أمرٍ، فثمّةَ خطرٌ حقيقي من أنّ شركة بترول وطنيةً ستُعاني المشاكلَ عيْنَها التي تعانيها شركاتٌ أُخرى؛ وتشمل توظيفًا جماعيًّا، على حساب الجودة (بجعْل العمل أقلَّ إنتاجية)، واحتمالِ ممارساتٍ فاسدة.

صراع أجيال؟

الملاحظ أن أُولئكَ الأكثرَ نشاطًا في الدعوة إلى إنشاء شركة بترولٍ وطنية ينتمُون جميعًا إلى جيلٍ معيَّن اختبَر ’الأمجادَ‘ السابقة للتأميم في بلدانٍ غنيّةٍ بالموارد. لكنّ سياقَ اليوم يَختلف جذْريًّا عمّا كان عليه الأمرُ في ستِّينيّات وسيعينيّات القرن الماضي.  ولعلَّ المطلوبَ أكثرَ من شركةٍ وطنية للبترول في هذه المرحلة هو إقدام المحترِفين والمتخصِّصين ممّن لديهم خبرةٌ في الظروف الحالية لصناعة البترول والغاز على المشاركة في تحديد أطر النقاش.

ليس إنشاء شركة بترول وطنية بالضرورةِ فكرةً سيّئة، لكنّ الموضوعَ يستحقّ أن يُعالَج من جميع الزوايا، ويُدرس بعنايةٍ أكبر.

Read this article in English.

1 thought on “شركة بترول وطنية للبنان؟ نقاش سابق لأوانه وغير مكتمِل”

  1. Pingback: A NOC for Lebanon? A premature and incomplete debate

Comments are closed.

Scroll to Top