في ظل تصاعد التوتر السعودي- الإيراني غداة إعدام رجل ألدين الشيعي نمر باقر النمر مع ما رافق هذا الحدث من تطورات ومواقف، أبرزها قرار المملكة العربية السعودية قطع علاقاتها الدبلوماسية مع الجمهورية الإسلامية في إيران، بدأت تتزايد التساؤلات والتحاليل في الأوساط السياسية والشعبية عن مدى إحتمال تحول الإشتباك السياسي والدبلوماسي إلى مواجهة عسكرية مباشرة بين كلا الطرفين. وفي حين تبقى هذه الفرضية مستبعدة، على الأقل في المدى المنظور، من المهم والمفيد التوقف عند القدرات والجهوزية العسكرية لكل من إيران والسعودية للدخول في أي تقاتل مباشر والذي وإن كان مستبعداً يبقى محتملاً. من هنا بدا لافتاً في السنوات الأخيرة تصاعد حدة السباق على التسلح بين كل من دول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية من جهة وإيران من جهةٍ أخرى، مترافقاً مع تنامي الخطاب المذهبي وصراع النفوذ في المنطقة. من هذا المنطلق، تبرز أهمية ومكانة الطائرات بدون طيار أو مايعرف بأل Drones ضمن أطر هذا السباق على التسلح والرغبة في إمتلاك أسلحة استراتجية، علماً أن هذا النوع من الطائرات يعتبر بمثابة سلاح إستراتيجي فعال وضروري لأي مواجهة أو حرب عسكرية حالية و مستقبلية كما يعكس مدى تطور وقوة التكنولوجيا العسكرية لاي دولة. من هنا أهمية التوقف عند مقارنة سريعة بين الترسانتين السعودية والإيرانية من الطائرات بدون طيار.
بدايةً، في ما يخص السعودية برزت في السنوات القليلة الماضية رغبة عند قيادة المملكة بتفعيل الدور المحلي في صناعة طائرات بدون طيار لتشكل فخر القوات الجوية السعودية. وقد عملت ولا زالت تعمل في هذا الصدد، ثلاث جهات أساسية هي كل من مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، معهد الأمير سلطان لأبحاث التقنيات المتقدمة، إضافة إلى المؤسسة العامة للصناعات الحربية. علماً أنه مؤخرا، تقدّم بشكل رئيسي إسم مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية من خلال الدور الذي لعبه في صناعة ٣٨ طائرة بدون طيار هي صقر ٢، صقر ٣ وصقر ٤، جاء الإعلان عنها بشكل رسمي من السعودية في سبتمبر ٢٠١٣. ينحصر عمل هذه الطائرات بالشق الرقابي والإستطلاعي الصرف مع قدرتها على تفادي الرادارات. تتراوح مدة تحليقها بين ساعة وعشرون دقيقة (صقر ٣) وثماني ساعات (صقر ٢) فيما يتراوح مداها مابين ٥ كم و ٢٥٠ كم، مع سرعة تصل حدودها القصوى إلى ١٢٠ كم في الساعة وإرتفاع ٥٠٠م.
إضافة إلى الصناعة المحلية السعودية، التي بجزء أساسي منها تُعتَبر سرية وبعيدة عن التداول الإعلامي، تشمل ترسانة المملكة من الطائرات بدون طيار الإستطلاعية، مجموعة من الطائرات الألمانية، الإيطالية، التركية والأميركية الصنع.
على صعيدٍ أخر، تعمل الرياض بجهد على إمتلاك طائرات بدون طيار هجومية وقتالية، قادرة على حمل الصواريخ. ففي ظل رفض الولايات المتحدة الأميركية، في السنوات الماضية، القيام بتزويد المملكة العربية السعودية بهذا النوع من الأسلحة الإستراتيجية، اتجهت انظار القيادة السعودية إلى مصادر ودول أخرى كجنوب أفريقيا والصين التي باتت تعتبر منافس جدي للعم سام في مجال صناعة الطائرات بدون طيار القتالية.إذ جرى الإتفاق في العام ٢٠١٣ بين السعودية ممثلة بمعهد الأمير سلطان لأبحاث التقنيات المتقدمة و دولة جنوب إفريقيا ممثلة بشركة Denel Dynamics على التعاون في تطوير طائرة Seeker 400 الإستطلاعية و الجنوب أفريقية الصنع، لتصبح قتالية ولتشكل جزء أساسي من قدرات المملكة الجوية العسكرية علماً أن هذه الطائرة قادرة على التحليق لمدة ٢٦ ساعة دون توقف إضافة إلى قدرتها على حمل الصواريخ.
أما في العام ٢٠١٤، فقد قامت السعودية بإبرام إتفاقية مع الصين تقوم بموجبها الأخيرة بتسليم الأولى طائرات بدون طيار قادرة على حمل صواريخ جو- أرض، إضافة إلى تمتعها بقدرات مراقبة عالية الجودة، من نوع وينغ- لونغ. التي تعتبر نسخة عن طائرة MQ Predator الأميركية المتطورة.
من ناحية أخرى، جرى الإعلان في شباط ٢٠١٣ عن وجود قاعدة أمريكية للطائرات بدون طيار في السعودية، يعود تاريخ انشاؤها إلى العام ٢٠٠٩ في إطار إتفاقية بين الولايات المتحدة الأميركية والسعودية، بقيت على أي حال سرية حتى تاريخ الإفصاح عنها، بحيث تضم هذه القاعدة بشكل رئيسي طائرات بدون طيار قتالية تتمحور أبرز عملياتها في اليمن في إطار مكافحة الإرهاب، مع ما تؤمنه هذه القاعدة الأميركية من دعم عسكري جوي للقوات السعودية لمواجهة أي خطر يمكن أن يتهدد أمن المملكة القومي.
في المقلب الآخر، تبرز الجمهورية الإسلامية الإيرانية بصورة الغريم الذي لا يمكن لدول المنطقة وللسعودية خاصةً، الاستهانة به في مجال حيازة طائرات بدون طيار متطورة، استطلاعية كانت أم قتالية. فإيران التي عملت جاهدةً غداة حربها مع العراق (٨٠-٨٨) على تطوير قدراتها العسكرية بشكلٍ عام وترسانتها من الطائرات بدون طيار بشكلٍ خاص، تمكنت في السنوات العشر الأخيرة من تصنيع وإمتلاك طائرات بدون طيار محلية الصنع ذي ميزات متعددة، ابرزها قدرة البعض منها على حمل الصواريخ أو تنفيذ عمليات هجومية بأساليب مبتكرة، محاولةً بذلك محاربة العقوبات الدولية التي كانت مفروضة عليها والإنضمام إلى نادي الدول القادرة على تصنيع هذا النوع من الطائرات الإستراتيجية. وإذا كانت السياسة الإيرانية المتبعة في هذا المجال، تعتمد بشكل أساسي على الكفاءة الذاتية والمحلية البحتة، إلا أنها مستوحاة بجزء منها، من التكنولوجيا الأميركية التي تدعي إيران استحواذها على قسم منها عبر اسقاطها لطائرات بدون طيار أميركية إحداها الطائرة الإستطلاعية 170 Sentinel RQ، في العام ٢٠١١.
من أبرز ما تتضمنه ترسانة إيران من الطائرات بدون طيار المحلية الصنع نذكر ما يلي:
- طائرة ياسر وهي كناية عن طائرة بدون طيار منسوخة عن طائرة Scan Eagle الأميركية التي نجحت إيران بإسقاط احداها في العام ٢٠١٢ والعمل على إستنساخ تكنولوجيتها وتعديلها. يصل مدى طائرة ياسر إلى ٢٠٠ كم وإرتفاعها إلى ٤،٥ كم وهي قادرة على التحليق لمدة ٨ ساعات بشكلٍ متواصل.
- طائرة أيوب وهي طائرة استطلاعية جرى إستخدامها مؤخراً من قبل حزب الله لمراقبة أهداف إسرائيلية ويقال انها قادرة على حمل متفجرات.
- مجموعة طائرات أبابيل استطلاعية وقتالية.
- طائرات مهاجر ١، ٢، ٣، ٤، ٥، ابرزها قادر على حمل صواريخ وجرى إستخدامها في الحرب مع العراق بين عامي ١٩٨٠ و-١٩٨٨.
- طائرة فطرس وهي كناية عن طائرة بدون طيار قتالية يصل مداها إلى ٢٠٠٠ كم مع قدرة على التحليق لمدة تتراوح بين ١٦ و-٣٠ ساعة. علماً أن أهمية هذه الطائرة تكمن في قدرتها على إنجاز مهمات رقابية إضافةً إلى مهمة هجومية عبر تجهيزها بصواريخ جو- أرض.
- -شهيد ١٢٣، طائرة بدون طيار يصل مداها إلى ١٧٠٠ كم قادرة على حمل ٨ صواريخ جو- أرض والتحليق لمدة ٢٤ ساعة بدون توقف، جرى الكشف عنها في العام ٢٠١٢.
- رعد ٨٥، طائرة انتحارية كناية عن صاروخ مجهز بكاميرا مراقبة، يمكن التحكم به وتوجيهه ضد أهداف محددة. جرى الكشف عنها في العام ٢٠١٣.
- قاهر ٣١٣، طائرة بدون طيار جرى الإعلان عنها في العام ٢٠١٣، قادرة على حمل صواريخ إيرانية الصنع.
إضافة إلى عدد آخر من الطائرات بدون طيار الإيرانية.
وقد بدا لافتاً مؤخراً الكشف عن قاعدة إيرانية سرية تعمل على تطوير تكنولوجيا الطائرات بدون طيار في إطار العمل على تعزيز القدرات الدفاعية وألهجومية الإيرانية للتصدي لأي إعتداء خارجي وفي إطار الرغبة المستمرة للسلطات الإيرانية لفرض نفسها كلاعب مركزي في منطقة الشرق الأوسط لا يمكن تجاوزه والتخفيف من قوته.
تجدر الإشارة إلى أن هذا التطور الإيراني المعلن عنه، في قطاع صناعة الطائرات بدون طيار، ترافق مع حملة تشكيك واسعة من قبل خبراء دوليين، في مدى صدقية المعلومات الإيرانية عن ميزات الطائرات المصنوعة في إيران، واضعين هذه المعلومات في إطار الإستعراض الإعلامي البعيد عن الواقعية العسكرية الفعلية.
إلا أنه وبغض النظر عن رأي هؤلاء الخبراء، بات ملحاً على المملكة العربية السعودية، في ظل الواقع السياسي الحالي وألجيو- إستراتيجي، العمل جاهدةً على تفعيل امكاناتها وأبحاثها الذاتية من أجل الوصول إلى صناعة طائرات بدون طيار قتالية قادرة على حمل صواريخ تساوي إن لم نقل تضاهي بجودتها تلك الإيرانية الصنع. هذا على الصعيد المحلي، أما على الصعيد الدولي فالمملكة مدعوة إلى الإستفادة من القرار الأميركي الصادر في شباط ٢٠١٥ والقاضي بسماح واشنطن ببيع وتصدير الطائرات بدون طيار القتالية إلى الدول الحليفة وفقاً لشروط محددة.
من ناحيةٍ أخرى، يشكل القرار الأخير برفع العقوبات الدولية عن إيران غداة الإتفاق النووي بين الجمهورية الإسلامية والدول الكبرى، تحدٍ جديدٍ للرياض بحيث من المتوقع أن يفتح هذا القرارأمام الإيرانيين أفقاً جديداً وواسعاً على الصعيدين الإقتصادي والعسكري، قد يشمل إستفادة طهران من الحداثة وألتطور التي وصلت إليهما حليفتها الصين في ماخص تكنولوجيا الطائرات بدون طيار عموماً والقتالية منها خصوصاً.
This analysis is written by Jad Bou Abdo. For more on drones, visit our section “Middle East Drones”.