بالرغم من تدخل الطيران الحليف بقيادة الولايات المتحدة الاميركية وبالرغم من الدعم الموفر للجيش النظامي العراقي، داعش تتمدد وصولا الى الرمادي. تهديد الدولة الاسلامية يدق باب بغداد وهو ليس ببعيد عن المملكة الاردنية وعن المملكة السعودية.
الرئيس الاميركي باراك اوباما يخشى التورط أكثر في العراق ويلتزم قراراته السابقة بعدم العودة عسكريا اليه، وهو يبقي دعمه العسكري لحكومة العبادي بمستوى لا يسمح لجيشها بالحسم. شح الموارد المالية تمنع بغداد من تجهيز قواتها المسلحة بالمعدات والتقنيات الضرورية لدحر داعش، وان ابدت دول كروسيا استعدادها لتوسيع إطار تعاونها العسكري مع بغداد.
بعد ساعات من سقوط الرمادي بأيدي داعش، وبعد ايام من زيارة الرئيس العراقي فؤاد معصوم طهران، قام وزير الدفاع الايراني العميد حسين دهمقان بزيارة بغداد بهدف تنسيق الحرب على الارهاب التكفيري، في الوقت الذي كان فيه رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي يستنفر قوات الحشد الشعبي لمواجهة زحف داعش.
انطلاقا من هنا، علينا ان نستنتج بداية ان (١) الجيش النظامي العراقي غير قادر لوحده وبإمكاناته الحالية من صد داعش، و (٢) الدعم الاميركي بشكله الحالي لا يسمح بقلب موازين القوى لصالح بغداد، و(٣) اللون المذهبي لقوات الحشد الشعبي يعيق اي تقدم لها في المحيط السني مما يوفر حاضنة لتموضع داعش في بلاد السنة وخصوصا ان بغداد وطهران ترفضان مبدأ تسليح العشائر السنية، و(٤) تدخل ايران العسكري المباشر اصبح اكثر تعقيدا مع تفاقم المواجهة الايرانية-العربية او الشيعية-السنية ومع تحرر السعودية نسبيا من التزاماتها تجاه السياسات الاميركية، و(٥) عدم جهوزية الاطراف الاقليمية والدولية بعد لفتح بازار التفاوض حول مجمل الملفات الساخنة بحيث لم يحن بعد وقت المقايضات الكبرى والتسويات.
لكن هل يعني ذلك انه لا سقف عسكري وسياسي لتقدم داعش في العراق؟
الجواب هو ان حدود اللعبة قد تكون معلومة لدى الاطراف المعنية، بحيث (٦) تبقى بغداد خارج سيطرة ونفوذ الخليفة البغدادي، و(٧) تبقى مصالح إيران الاستراتيجية في العراق خارج التهديد المباشر، و(٨) ان لا يقترب الخطر العسكري جديا من الاراضي الاردنية والسعودية. لكن الخلاف قد يظهر أكثر فأكثر لدى البحث في (٩) تنسيق العمل المشترك الضروري من اجل وقف تمدد داعش داخل العراق وفي (١٠) الجهة او الجهات التي قد تأخذ المبادرة لعمل عسكري واسع للجم داعش قبل التوصل للتفاهمات الكبرى المرتقبة.
فهل (١١) تبقى اللعبة العسكرية والسياسية ضمن الحدود المقبولة من الاطراف الاقليمية كافة، ام (١٢) تنجح داعش في خرق جدي لقواعد اللعبة الحالية بحيث تشعر الاطراف الاقليمية بأخطار محدقة على مصالحها الاستراتيجية، وهل (١٣) توحد ام لا نجاحات داعش نظرة تلك الاطراف للملف العراقي؟ في ظل غياب الحس المشترك للمخاطر لدى الاطراف الاقليميين وطالما ان داعش ما زال عنصر تجاذب بين تلك الاطراف وليس عنصرا موحدا، وفي ظل غياب التفاهمات الكبرى، لا بد ان ندرك بان المبادرات الفردية الغير منسقة، من قبل إيران خاصة، قد تجلب المزيد من التعقيدات الى الساحة العراقية والاسلامية، وتغذي المزيد من التطرف والانقسامات. وربما هذا بالتحديد ما يفسر تردد إيران في دخولها المعركة مباشرة اليوم، وبانتظار تفاهمات اقليمية ضرورية وغطاء اميركي ودولي بديهي.