اختارت مصر بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي ان تعتمد على الطراز الجديد من المقاتلة الفرنسية الرافال لمتابعة تطوير سلاحها الجوي، فاصبحت اول دولة اجنبية تختار المقاتلة الفرنسية هذه بعدما كانت اول دولة اجنبية اختارت من قبلها الميراج ٢٠٠٠. بعد عدة اسابيع، اختارت الهند بدورها ان تعتمد على الرافال من اجل تطوير سلاحها الجوي الذي كان ثاني مشغل اجنبي للميراج ٢٠٠٠ بعد مصر…
المباحثات مع الهند حول الرافال انطلقت منذ اكثر من ثلاث سنوات وهي تشمل شراء ١٢٦ طائرة، عدد محدود منها مصنع في فرنسا (١٨) والعدد الاكبر مجمع ومصنع محليا. فالتطورات الجيوسياسية والعسكرية وتراجع امكانات سلاح الجو الهندي وتردي جهوزيته يفسر قرار الحكومة الهندية التسريع في برامج التسليح ولو تأخرت الافادة من الجانب الصناعي والتكنولوجي لتطوير صناعة الطيران المحلية. اختيار الرافال كان اختيارا سياسيا بالطبع، كما هو حال كافة البرامج الاستراتيجية للدول، لكنه قرار ارتكز بالاساس على معطيات عملانية وعسكرية وتكنولوجية بحيث ان المقاتلة الفرنسية اختيرت من قبل سلاح الجو بعد اختبارات طويلة ومقاربات متعددة ومواجهات عديدة مع الطائرات المنافسة. العامل المالي، خاصة مع تراجع سعر صرف اليورو، لعب دورا في تسهيل القرار السياسي. باختصار، فان قرار الحكومة الهندية تسريع برنامج تطوير سلاحها الجوي واختيار الرافل كعمود فقري له ارتكز على معطيات عملانية وتقنية وتكنولوجية تسمح بتلبية حاجات عسكرية محددة، وعلى عوامل جيوسياسية متعددة ومتشابكة مرتبطة بالتنافس الهندي-الباكستاني وبالمنحى الذي قد يأخذه هذا التنافس وبالسباق على التسلح الذي يتسارع في آسيا وبالحرب الدولية على الاهارب وبعلاقات الهند مع القوى العظمى والكبرى، كما ارتكز القرار على عوامل اقتصادية وصناعية (المرحلة الثانية المرتقبة من البرنامج الفرنسي) ومالية. فهو قرار متزن ورصين وهو يأتي في سياق استراتيجي وعسكري وسياسي واقتصادي وصناعي جد منطقي.
والقرار الذي اتخذته الادارة المصرية هو ايضا قرار استراتيجي بامتياز، ارتكز على ضرورة تلبية عدة اولويات في آن واحد وهي اولويات عسكرية (محاربة الارهاب واعادة تثبيت صورة مصر كقوة عربية اساسية)، وعملانية وتكنولوجية (بانتظار الجيل الجديد من الطائرات الحربية)، وهي ايضا اولويات سياسية (توسيع هامش الحرية والتحرك بالنسبة للولايات الاميركية التي تحكمت خلال ما يقارب ال٣٠ عاما في قرار مصر) وجيوسياسية (فرض مصر ونظامها الجديد بالمعادلات الاقليمية ضمن النظام العربي والاقليمي المتجدد)، بالاضافة الى الاولويات المالية بالطبع (تمويل خليجي، ضمانات رسمية فرنسية).
فالخياران المصري والهندي لصالح المقاتلة الفرنسية يرتكزان على الكثير من النقاط المشتركة، وربما ايضا على نظرة متقاربة جدا لفرنسا ولدورها ولوضعها الدولي، وعلى مقاربة شبيهة لاهمية الشراكة مع دولة فاعلة كفرنسا في ظروف دولية متقلبة كهذه. فالمقاتلة رافال حاجة لسلاح الجو المصري ولسلاح الجو الهندي وهي تلبي متطلباتهما العملانية والعسكرية، وهي حاجة جيواستراتيجية للحكومتين المصرية والهندية لتموضعهما الاقليمي، وفرنسا، الدولة خلف المقاتلة، نجحت هي ايضا بان تصبح شريكا مرغوبا من قبل مصر والهند في سعيهما لتوسيع حلقة علاقاتهما السياسية والاستراتيجية الدولية.