مصر – فرنسا: اعادة احياء الشراكة الاستراتيجية


كان لا بد للنظام المصري الحالي ان يعيد احياء وتجديد الشراكة الاستراتيجية بين مصر وفرنسا لاسباب متعددة: سياسية وعسكرية وامنية واقتصادية. وللاسباب ذاتها، كان لا بد لفرنسا ان تقتنص الفرص من اجل اعادة الزخم لعلاقاتها مع مصر.
انها مصر القلب النابض للامة العربية وهي مصر القوة الاستراتيجية في بعديها العربي والافريقي وهي مصر نقطة الارتكاز الدائم للتوازنات الجيواستراتيجية. هي العامود الفقري للنظام العربي واستقرار مصر ضرورة حيوية للشرق الاوسط بحيث يجب دعمه وتدعيمه. تلك هي نظرة فرنسا لمصر التي هي ايضا بسكانها ال٩٥ مليون وثرواتها وموقعها الثقافي والديني وقدراتها العسكرية تبقى شريكا اساسيا للمجتمع الدولي الفاعل في محيطها الجيوسياسي.
وباعادة ضخ الدماء الناصرية في شرايينها بما يعني ذلك من ارادة لاستعادة دورها الريادي، تكون مصر قد طوت صحفة الانكفاء المرحلي الذي فرضته التطورات الداخلية بعد انتهاء حكم مبارك، واعادت تظهير صورتها العربية القومية الطموحة، في محيطها وامام العالم. فاستعاد الرئيس عبدالفتاح السيسي هيبة الناصرية وفرض منهجها في الداخل وفي الاقليم، وذلك على طريق استعادة الاستقرار السياسي والامني والاجتماعي والازدهار الاقتصادي وعلى طريق استرجاع موقع مصر في قلب المعادلات الجيوسياسية.
فكانت ارادته الصائبة لتوطيد علاقاته بدول الخليج العربي وعلى رأسها المملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة، وكان قراره الصريح بمحاربة الارهاب امنيا وعسكريا وثقافيا واجتماعيا، كما كانت سياسته في تثبيت التزامات مصر تجاه السلام مع اسرائيل. واعتمد كسر الاحتكار الذي كان نظام مبارك سمح ان تمارسه الولايات المتحدة الاميركية على سياسة مصر الخارجية وعلى جيشها وامنها، مقررا اعادة فتح قنوات تعاون استراتيجي مع دول كبرى وفاعلة على صعيد الاقليم كروسيا والصين ودول اوروبيا وعلى رأسها فرنسا والمملكة المتحدة والمانيا وغيرها. وكان لفرنسا في حسابات مصر الجديدة الموقع الذي يليق بتاريخ علاقاتهما وبطموحاتهما الحالية على صعيد المنطقة وبامكانياتهما الاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية والديبلوماسية والسياسية والثقافية.
فاصبح اليوم محور مصر-فرنسا واقعا، وهو محور مؤثر على مستويات عدة منها الامن ومكافحة الارهاب (ليبيا الخ) والدفاع (المقاتلة رافال الخ) والاقتصاد (النقل والبنى التحتية الخ) والسياسة (تدعيم النظام العربي ضمن التحالف القائم مع دول الخليج الخ). وهو محور لا بد ان يتطور ليجتذب قوى اخرى عربية وافريقية ودولية، وان يتوسع ليتمدد الى ملفات جديدة اساسية للجانبين ولحلفائهما. كما ان التحالف المصري-الفرنسي، وهو غير موجه ضد احد بالتحديد، وهو ليس حصريا بمعنى انه لا يحد من حرية مصر ولا من حرية فرنسا في تموضعهما في المنطقة وفي التعاطي بملفات الشرق الاوسط وافريقيا. فهذا التحالف الذي تكمله شبكة تحالفات اقليمية ودولية لكلي الشريكين، يضمن بالفعل حرية التحرك للمصريين وللفرنسيين، سويا ان ارادوا ذلك وبعيدا عن ضغوطات الحلفاء والاخصام (كما قد يفرض ذلك مثلا الوضع في ليبيا) او باستقلالية تامة عن بعضهم ان ارادوا ذلك ايضا (كما قد يحتم ذلك مثلا ملف الاخوان المسلمين).
ان التحالف المصري الفرنسي المتجدد هو استراتيجي بامتياز وهو في تطور مستمر ليلبي طموحات الفريقين من دون قيود وشروط سياسية مسبقة. والايام ستبرهن حتما صوابية تلك الشراكة الواعدة.

Scroll to Top