لبنان الرسالة خرافة لم تقنع احدا. لقد اعتمدها البابا القديس يوحنا بولس الثاني وصفا لآخر معقل مشرقي للمسيحية كمن يتنبأ المخاطر الآتية اليه، لعل الرسالة تصمد امام التكفير المعلن حينا والمبطن حينا آخر والذي يرسم عبر بدعة الربيع العربي شرق اوسط جديدا على حساب الاقليات والحريات والانسان. فكم كان نبيا يوحنا بولس الثاني وهي تنبؤاته تصح اليوم. سقطت الحدود بين الدول وتمظهر التكفير الرذيل بأبشع اشكاله مسقطا آمالا بنيت على مدى القرون من اجل تعايش حضاري بين الاديان السماوية في المشرق، فتوالت الاشارات الواضحة لقرب امكانية سقوط لبنان الرسالة والتنوع.
لم يستطع لبنان ان ينأى بنفسه عن التطورات الاليمة من حوله ففتح حدوده بالاتجاهين: تسللت الحرب بقرفها المذهبي الى مجتمعنا وتدفق مئات الآلاف من ضحايا الصراعات الاقليمية للاستقرار على ارضنا. وللمشكلتين طابع ديني: فالتقاتل السني الشيعي يصبح جهادا وان هو سياسي وجيوسياسي بامتياز، واستقبال اللاجئين يصبح واجبا دينيا مسيحيا (خصوصا ان رأس الكنيسة الكاثوليكية قداسة البابا فرنسيس يعطي المثل الصالح بدفاعه المستمر عن قضايا المهاجرين الوافدين الى اوروبا) واسلاميا، وان كان على حساب الوطن او لغايات سياسية ضيقة.
والتعطيل الحاصل للحياة السياسية له ايضا طابع ديني مذهبي وان كان بمظهر سياسي دستوري: فللتعطيل الحاصل عنوان خبيث هو عملية اجراء حصر ارث المارونية السياسية لتقاسم الميراث بين الفريقين السني والشيعي على غرار ما حصل في اتفاق الطائف المجحف في حق المسيحيين.
وفي وقت يخير مسيحيو الموصل بين اعتناق الاسلام ودفع الجزية او التهجير، يتذكر مسيحيو لبنان معنى الشهادة ويستذكرون عذابات وتضحيات المسيحيين الاولين: الم يرمى المؤمنين الاوائل للأسود والحيوانات المفترسة من قبل الرومان ولم ينكروا إيمانهم؟
تحت ضغط التكفير الزاحف الينا، جاءنا من يريد ان يطمئننا قائلا انه سيدافع عن المسيحيين وعن كنائسهم برموش عينيه… هو الذي لم يهز ساكنا للدفاع عن مسيحيي الموصل وهو الذي ربما احتاج امام الهمجية القادمة لمن يحميه اصلا… وجاءنا آخر ليشن حملة استباقية على الارهاب الداعشي في الاطراف آخذا على عاتقه حماية المسيحيين ايضا، هو الذي ربما احتاج لمن يحميه لاحقا…
فالمسيحيون الذين يدفعون ثمن انهيار الدولة ومؤسساتها وهي الضامن الوحيد لأمنهم وديمومتهم، يعرفون تماما الاثمان الباهظة التي سيدفعونها في حال خضوعهم لحماية هذا المكون الاسلامي او ذاك. ولا ضمانات دولية، غربية كانت او مشرقية، تؤمن تلك الحماية للمسيحيين بالرغم من بعض النوايا الحسنة والكثير من الكلام المعسل.
على اي حال، مسيحيو لبنان، صانعو الوطن وحاموه، لا يستنجدون بأحد لحمايتهم ولا يطلبون الحماية اصلا. هم ابناء اصليون متجذرون لا يساومون على إيمانهم ولا على مشرقيتهم ولا على لبنانيتهم.
لا وجود للبنان من دون مسيحييه ولا وجود للمسيحيين في لبنان من دون وجود دولة قوية وعادلة. ولا فلسفة ذمية في اذهان المسيحيين اللبنانيين تكون مقبولة اكانت داعشية او …اخوية.