لقد أعد الفرنسيون العدة للمشاركة الفاعلة في اي ضربة عسكرية اكانت محدودة او واسعة ضد النظام السوري، واستنفروا امكاناتهم القتالية لأجل ذلك. فعمد بعض المحللون الى المقارنة بين حجم الآلة العسكرية الفرنسية المتواضعة نسبياً والامكانات الاميركية الضخمة في هذا المجال، كما بدأوا بمقاربات تجارية للتموضع الفرنسي مقابل سوريا ليراهنوا على صفقات اسلحة فرنسية خليجية قد تنجم عن التقارب السياسي الحاصل بين باريس والعواصم الخليجية حول قضايا جيوسياسية حيوية مثل سوريا.
وبالفعل، فقد تعطي عملية عسكرية خارجية جديدة فرصة ذهبية للصناعات العسكرية الفرنسية، كما الأميركية وغيرها، ان تعرض تكنولوجياتها الحديثة وامكانياتها العملانية. فلقد اثرت العمليات العسكرية الفرنسية في ليبيا، حيث اشتركت قوات خليجية من قطر والامارات الى جانب الجيش الفرنسي في القصف الجوي والعمليات الخاصة، ايجابا في صورة الصناعات العسكرية الفرنسية كما في صورة الجيش الفرنسي، مثلها مثل العمليات العسكرية الفرنسية في مالي. وباعتراف أحد اعمدة الصناعات العسكرية الفرنسية رئيس شركة داسو اڤياشن اريك ترابيه، ضمن شهادته امام البرلمان الفرنسي، فان العمليات العسكرية الفرنسية في ليبيا ومالي اعطت دفعا جديدا لبرامج التسلح للجيشين القطري والاماراتي لصالح الاسلحة الفرنسية. واعتبر الصناعي الفرنسي ان مشاركة طائرة الرافال الفرنسية في العمليات في ليبيا ومالي بفاعلية قصوة قد ساهمت في تظهير صورة ايجابية جدا للصناعات التكنولوجية العسكرية الفرنسية مما حمل قطر وابوظبي الى تفعيل برامجهم التسليحية مع فرنسا ومنها اقتناء طائرات الرافال القتالية. فرئيس داسو اڤياشن الذي يراهن على تصدير الرافال للهند يعتبر ايضا قطر من الزبائن المحتملين جدا للطائرة الفرنسية وذلك بفضل العمليات العسكرية في ليبيا ومالي.
لذلك، قد يستغل القطاع الصناعي العسكري في فرنسا، كما في الدول الاخرى المصدرة للسلاح، فرص اندلاع حرب في سوريا مثلا من اجل عرض مهارات اسلحتهم ومن اجل اقناع شركائهم باستيراد المزيد منها. لكن اللاحرب قد تكون ايضا مناسبة لتصدير السلاح وذلك لسببين منطقيين: اولا، واذا اردنا الاكتفاء بتقييم الأداء الفرنسي في الملف السوري من الجانب العربي والخليجي، فباستطاعتنا ان نقول ان فرنسا وقفت الى جانب السعودية وقطر والامارات بلا تردد واثبتت التزامها التام بقضاياهم، مما يعطي فرنسا لدى شركائها الخليجيين مصداقية عالية ويظهر صورة فرنسا كحليف استراتيجي يمكن الوثوق به؛ ثانيا، ان استنفار فرنسا لإمكاناتها العسكرية والتحضير الفعلي للعمليات في سوريا، من الجو ومن البحر وربما ايضا من البر، يعطي بما لا شك فيه باريس مصداقية كقوة عسكرية فاعلة في البحر المتوسط وفي الشرق الاوسط، وهذا ما يريد حلفاؤها العرب ان يرونه في الظروف الدقيقة التي يمرون بها. لذلك، ان اندلعت الحرب او لم تندلع، فقد استطاعت فرنسا اليوم ان تثبت مرة جديدة لحلفائها الخليجيين مدى التزامها بقضاياهم ومدى استعدادها للدفاع عن مصالحهم المشتركة. وبمعزل عن تقييم النتائج السياسية والدبلوماسية المباشرة للتحرك الفرنسي تجاح سوريا، اذ ان ذلك هو بحاجة لكثير من الوقت، فلا بد ان نعترف ان التزام فرنسا المباشر في الدفاع عن مصالح حلفائها الخليجيين، وهو التزام متعدد الاوجه بما في ذلك الالتزام الدفاعي والعسكري، اثبت لقادة السعودية وقطر والامارات بان فرنسا تبقى حليفا استراتيجيا وثيقا ومميزا يمكن الاعتماد عليه في الظروف الدقيقة ويجب المساهمة في دعمه سياسيا ودبلوماسيا واقتصاديا وصناعيا من اجل تمكينه من الحفاظ على امكاناته في كافة المجالات ومنها الصناعية والتكنولوجية والعسكرية ومن اجل ايضا الحفاظ على استقلالية قراراته الدولية.