في خطابه المغلق تحت سقف قصر عين التينة في ٣١/٠٨، تطرق الرئيس نبيه بري الى موضوع الاستراتيجية الدفاعية الوطنية، حيث شدد على ثنائية الجيش والمقاومة، متنبها لضرورة عدم الوقوع في فخ انحراف النقاش، مجددا، نحو مصادرة سلاح المقاومة. فالرئيس بري الذي كان له خصوصا اقتراحات تتعلق بالوضع السياسي وبالملف الحكومي المأزوم في خطابه المخصص اصلا لقضية الامام موسى الصدر ورفيقيه، تجرأ بطرح معضلة الاستراتيجية الدفاعية بصراحة تامة: الجيش النظامي + المقاومة على الحدود + ضبط السلاح في الداخل = استراتيجية وطنية للدفاع.
في كلمته هذه، وعلى وقع رصاص سلاح الداخل المبتهج باطلالته الاعلامية، يكون بري قد اعترف، اخيرا، بضرورة فتح ورشة الاستراتيجية الدفاعية بعد سنوات من تردد حزب الله والمكون الشيعي الآخر للمقاومة اي حركة أمل التي يترأسها رئيس مجلس النواب. في مقابل هذا التنازل، الحاصل يوم تخطت مقاومة حزب الله وحدها وبدون حركة امل، الحدود الوطنية في صراع اقليمي دولي على ارض سوريا الجارة، يجزم بري بضرورة عدم المس بالسلاح المقاوم المرابض على الحدود. فبذلك يكون الرئيس بري تجرأ وبادر لاعادة طرح موضوع الاستراتيجية الدفاعية وهو يسعى لضمانات مبدئية حول سلاح المقاومة وعدم تفريغ النقاش من مضمونه بحصره بملف سلاح حزب الله.
فبطرحه موضوع استراتيجية الدفاع الوطني، ضمن سلة مقترحات تشمل اعادة احياء طاولة الحوار والملف الحكومي، يحضر الرئيس بري لاعادة تموضع حزب الله وحركة أمل على ضوء التطورات السورية والاقليمية، معيدا التأكيد على ثنائية الجيش النظامي والمقاومة وتلازم دورهما للدفاع عن حدود الوطن، كما يعيد طرح اشكالية السلاح في الداخل والذي يهدد بالفعل السلم الاهلي في لبنان.
ليس من المؤكد ان يتقبل من يراهن على خسارة حزب الله في رهاناته السورية والاقليمية، أو من يراهن على تدخلات عسكرية خارجية حاسمة في سوريا او حتى في لبنان، او من يراهن أيضاً على تصعيد في الحرب الباردة القائمة بين المملكة العربية السعودية وحلفائها من جهة والجمهورية الاسلامية الايرانية من جهة ثانية، مبادرات كتلك النابعة اليوم من ناطق باسم الثنائي الشيعي. كما ليس بامكان حزب الله وأمل الدخول، في هذا التوقيت بالذات، بمزايدات، او بمناقصات، حول مستقبل السلاح، خارج المعادلة التي طرحها الرئيس بري والتي تلزم المقاومة بالجيش، اي بالدولة ، وتلزمها بالحدود، اي بالوطن، مقابل اخراج سلاح الداخل المكدس سابقا والوافد حديثا من المعادلة، اي مقابل السلم الاهلي.
مما لا شك فيه ان اعادة الحوار، في مرحلة التأزم الاقليمي والداخلي، وبمبادرة من الطرف عينه الذي لم يرض بالنقاش الجاد حول هذا الموضوع طوال السنوات الماضية، هي خطوة ايجابية جداً. ان مبادرة الرئيس نبيه بري في ما خص الاستراتيجية الوطنية للدفاع، والتي تأتي بعد ان ابدى أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله الاستعداد للبحث في تلك الاستراتيجية، هي مبادرة جديرة بالبحث الجدي، خصوصا وانها تسحب البساط مسبقاً من تحت اقدام من يراهن على قلب الطاولة مستقبلا باتجاه أو بآخر…
للتوسع في موضوع الاستراتيجية الدفاعية في لبنان، يمكنكم الاتطلاع على مقالات سابقة على موقعنا:
من أجل نقاش جدي ومنتج حول الإستراتجية الدفاعية
لبنان: الإستراتيجية الدفاعيّة: البداية في كتاب ابيض لسياسة وطنيّة للدفاع والأمن
تحديد الهدف من هيئة الحوار: الإستراتيجية الدفاعية
الإستراتيجية الدفاعيّة : بعض التصويبات الضروريّة
هل يستطيع لبنان أن يمتلك سياسة دفاعية شاملة؟
La stratégie de défense au centre du dialogue national: les pièges à éviter
Liban : stratégie de défense nationale et reconstruction politique