منى سكرية
بين الكويت والعراق، بات التوتّر واقعًا متكررًا. وآخر مصادره يرتبط بخطط الكويت التي تقضي ببناء ميناء تبلغ قيمته 1.1 مليار دولار أميركي قبالة سواحل العراق على جزيرة بوبيان. مُنح العقد لبناء ميناء مبارك الكبير، الذي سُمّي تيمّنًا بمؤسس الكويت الحديثة، إلى شركة “هيونداي” الكورية الجنوبية في العام 2010 وبدأت الأعمال في شهر نيسان/أبريل 2011.
اعتبر العراقيون هذا المشروع المفترض أن يكتمل بحلول العام 2016، مشروعًا استفزازيًا. وهم يخشون من أن يهدد الميناء الوصول إلى ممرات الشحن البحري في مساحة المياه الضيقة جدًا، وأن يترك أثرًا كبيرًا على النشاط في مرفأ أم قصر جنوب البصرة. وما استفز العراقيين الاستفزاز الأكبر هو أن المشروع، إذا ما أُكمل كما هو مخطط (مقابل بناء 3 مراحل منه فحسب من بين المراحل الأربعة للمشروع كما يلمّح البعض أحيانًا)، يهدد خطط العراق ببناء ميناء كبير في الفاو على بُعد كيلومترات قليلة من ميناء مبارك. أعلن مشروع الفاو هذا في العام 2005 بقيمة 6 مليارات دولار، وتأجل مرارًا وتكرارًا بسبب عدم الاستقرار السياسي والفساد. ولقد صُمم ليستوعب 99 مليون طن من الشحن سنويًا وليربط الخليج العربي بأوروبا بواسطة السكك الحديدية، فيهدّد بدوره بالاستيلاء على دور قناة السويس في الشحن ما بين آسيا وأوقيانوسيا وأوروبا وصولاً إلى القارة الأميركية. وهو دور واجه في السنوات القليلة الماضية نكسات عدّة، أهمّها الهجمات المتكررة التي شنها القراصنة الصوماليين في الغالب قبالة سواحل الصومال وخليج عدن.
بعد أيام قليلة من إطلاق صاروخَي “كاتيوشا” على السفارة الكويتية في بغداد وبعد أن هددت مجموعة شيعية باتخاذ التدابير ضد موقع البناء الكويتي والشركة الكورية التي تعمل على المشروع، أطلق صاروخ في شهر آب/أغسطس 2011 استهدف قرب موقع بناء المرفأ، ما أشار إلى السرعة التي يمكن أن يتدهور فيها الوضع على الحدود.
لطالما شهدت العلاقات بين الكويت والعراق مدًا وجزرًا منذ بداية المشروع. إلا أن التصريحات المثيرة للجدل من الطرفين سرعان ما يجرى احتواءها، وتشير الزيارات الرسمية إلى أن الطرفين يسعيان إلى التهدئة على الرغم من الرهانات.
وتتجاوز المسألة هذه العلاقات ما بين العراق والكويت لتقع ضمن الاستقطاب الحاصل في المنطقة، وتُستخدم في الصراع الحالي على النفوذ بين إيران ودول الخليج. فدول مجلس التعاون تدعم الكويت دعمًا كاملاً في نزاعها مع العراق بشأن ميناء مبارك الكبير. ومن جهةٍ أخرى، أظهرت إيران اهتمامًا متزايدًا بميناء الفاو، لا يُعزى فحسب إلى بناء المرفأ في منطقة شيعية قريبة من الحدود الإيرانية، لكن أيضًا لإتاحته فرصًا تجارية هامة لإيران. كشف وزير النقل العراقي السابق عامر عبد الجبار أن طهران قد أعربت عن اهتمامها بربط السكك الحديدية الإيرانية “بالقناة الجافة”، في إشارة إلى شبكة سكك الحديد العراقية التي تُربط بأوروبا مرورًا بتركيا ومن المفترض أن تطوّر في إطار المشروع العام حول بناء ميناء الفاو.
ويذكّر بناء ميناء مبارك الكبير المدعوم أميركيًا، بمشروع آخر مدعوم من الولايات المتحدة الأميركية في منطقة القوقاز شمالاً. فمشروع خط أنابيب النفط بين “باكو” و”تبيليسي” و”جيهان” (BTC) الذي دُشّن في العام 2005 يُعتبر أنه يحدّ من تأثير موسكو في منطقةٍ تعتبر تقليديًا باحة روسيا الخلفية، ويعزز استقلال جورجيا. يساهم ميناء مبارك الكبير أيضًا، إذا ما أكمل وفقًا للخطط، في احتواء نفوذ إيران المتزايد في المنطقة وإخماد مخاوف الكويت مما تعتبره تهديد الجار المستمر لاستقلالها.
إلا أن هذه النتيجة ليست غايةً بحد ذاتها ولا يجب أن تكون الغاية. فالميناء جزء من خطة طموحة لدفع التجارة وتحويل البلد إلى مركز إقليمي، ما يشمل أيضًا بناء مدينة مساحتها 250 كلم2 تحمل إسم “مدينة الحرير” وتبلغ قيمتها 90 مليار دولار أميركي تقريبًا، بالإضافة إلى بناء سكة حديدية جديدة وشبكة مترو. وتطمح الكويت لأن تصبح منطقة أساسية للتجارة الحرة تربط آسيا بأوروبا. ويستحيل أن يتحقق ذلك بعيدًا من التعاون الوثيق مع العراق وربط شبكتي النقل في البلدين. فهل بإمكان الكويت والعراق أن يتكبدا تكاليف بناء مرفأين كبيرين تفصلهما هذه المسافة الجغرافية القصيرة، من وجهة نظر إقتصادية وسياسية؟ وإذا ما كانا ليمضيا قدمًا في خطط تنميتهما الاقتصادية، لا يمكنهما أن يتكبدا تكلفة توتّر العلاقات، لا بل يكون التعاون بينهما ملحًا. ولعلّ تطوير ميناء واحد كبير يديره البلدان يشكّل نقطة انطلاق جيدة. لكن هل تشجع الولايات المتحدة الأميركية وإيران هكذا خطوة؟
Click here for the English version.