مقابلة مع الخبير في الشؤون الدفاعيّة والإستراتيجية د. فادي عساف.
يقترح الخبير في الشؤون الدفاعيّة والإستراتيجية الدكتور فادي عساف إخراج موضوع “الإستراتيجية الدفاعيّة” من البازار السياسي الضيّق وعدم تفويت الفرصة، عند إيجاد الظرف الداخلي والإقليمي المناسب، لأجراء تقييم شامل لوضع لبنان الأمني بالمعنى الأوسع بحيث لا ينحصر البحث في الجانب العسكري الضيّق إنما يتعدّاه ليشمل الجوانب المختلفة التي يجب أن يرتكز عليها أمننا في المستقبل. ويقترح لذلك اعتماد منهجيّة مختلفة تماماً عن تلك المتّبعة حتّى اليوم بحيث يتمّ العمل على وضع “كتاب ابيض للدفاع والأمن” يبدأ بتقييم وضعنا الحالي ويسلّط الضوء على مكامن القوّة والضعف لدينا، قبل أن يقترح الأفكار التي تسمح للبنان أن يحصّن وضعه من الجوانب كافّة، بما فيها العسكريّة والأمنية والسياسيّة والاقتصاديّة والدبلوماسية والإعلامية الخ. كما يقترح عساف إشراك ذوي الاختصاص في البحث بموضوع استراتيجي يعني كافة اللبنانيين وعدم حصره بالطبقة السياسيّة.
ما تقييمكم لتوقيت البحث في الإستراتيجية الدفاعيّة مع دعوة رئيس الجمهورية لمعاودة الحوار؟
لم يجمع حتى الآن الرئيس ميشال سليمان الساسة اللبنانيين من اجل وضع “إستراتيجية دفاعيّة” إنما من اجل الحوار للحوار. نتمنى أن تدفع الظروف الحالية الضاغطة إقليمياً وداخلياً باتجاه بحث جدي في الموضوع. فالتوقيت العام لطرح موضوع إعادة تقييم واقع لبنان الأمني والدفاعي والاستراتيجي قد يكون توقيتاً صائباً بمعنى أن علينا المبادرة لإعادة تقييم شاملة لهذا الواقع من باب التغيّرات العميقة التي طرقت على العناصر المكوّنة لقوة وضعف أمننا، أكانت متغيّرات جيوسياسيّة، أو عسكريّة، أو سياسيّة، أو ديموغرافيّة، أو اقتصاديّة الخ.
ماذا تقترحون من الناحية المنهجيّة من اجل اغناء البحث وإعطائه فرص نجاح جيّدة؟
بمعزل عن المعطيات السياسية التي قد تساهم في إنجاح أو إفشال طاولة الحوار لا بد من إيجاد منهجيّة عمل مختلفة تماماً عن السابق من اجل تقييم واقعنا الأمني والدفاعي والاستراتيجي ومن اجل طرح التصوّرات الممكنة والمقبولة لما يسمّى “الإستراتيجية الدفاعيّة” وفي البداية، لا بد أن يفكر من سيجلس حول طاولة الحوار برعاية الرئيس ميشال سليمان في كيفيّة تحديد “سياسة للدفاع والأمن الوطني” وان يعتمد لذلك منهجيّة تبدأ بالتخلّي عن بدعة “الإستراتيجية الدفاعيّة” التي ردّدوها أوتوماتيكيا خلال السنوات الماضية… فالمنهجيّة التي نقترحها هي من اجل تجنيب البلاد تجاذبات حتميّة وعقيمة حول سلاح حزب لله وللتوصّل إلى سياسة شاملة تؤمّن للمؤسسة العسكريّة ولكافة قطاعات الدولة وللتجمّعات الأهلية نظرة متكاملة من اجل التفاعل فيما بينها لتأمين سلامة الوطن واللبنانيّين ولتمكينهم من الدفاع عنهم في المجالات كافّة وفي ظروف مختلفة.
من اجل ذلك نقترح وضع “كتاب ابيض” حول سياسة الدفاع والأمن الوطني بحيث يعمل أولا على تقييم واقعنا من الناحية الأمنية والدفاعيّة ومن ثمّ تجمع الآراء المختلفة والمتعددة لكافّة الفرقاء ولأصحاب الاختصاص بحيث نصل إلى استخلاص خطوط عريضة تظهر مصادر الخطر على لبنان ومكامن الضعف في التركيبة الوطنيّة وتحدد التوجّهات العامّة من ناحية السياسة الخارجيّة والسياسة الاقتصاديّة الخ.
ما هو الإطار الزمني الذي يجب وضعه من اجل إنتاج مقترحات عمليّة وما هو الإطار الزمني العام لأي إستراتيجية دفاعيّة للبنان؟
لا بد من تشكيل لجنة وطنيّة يوكل إليها مهام وضع كتاب ابيض حول سياسة الدفاع والأمن، تعطى ما بين 18و24 شهراً من اجل العمل بجديّة وإتمام مهامها. وعند طرح الموضوع بتعمّق، لا بدّ أن نضع إطارا زمنيّاً منطقيّاً، ربّما عشرة أو خمسة عشرة سنة، إذ أن سياسة الدفاع والأمن الوطني تبنى لمرحلة قادمة طويلة نسبيّاً. اذاً، انطلاقاً من وضع سابق وحاليّ، نبني سياسة مستقبليّة، تصحّح الخلل وتستبق التطوّرات من اجل إعادة تصويب نظرتنا للإخطار ولمكامن الضعف ومن اجل طرح تصوّر يأخذ بالتطوّرات الجيوسياسيّة والتكنولوجيّة والسياسيّة والاقتصاديّة والديموغرافيّة الخ.
عندها، يقدّم إلى المؤسسة العسكريّة ما يلزمها من إطار عمل جديد، يكون قد حدد من منظور سياسيّ، تعيد على أساسه تثبيت عقيدتها وتبني إستراتيجيتها القتاليّة وتعيد بلورة سياستها التسلّحيّة الخ. كذلك، يعطى للقيّمين على القطاعات الأخرى المعنيّة بأمن الوطن والدفاع عن مصالحه الحيويّة، من دفاع مدني وقطاع اقتصادي وجهاز دبلوماسي وقطاع إعلامي الخ، توجّهات عامّة من اجل بلورة مساهماتهم في سياسة الدفاع والأمن الوطني.
إذا، بنظركم، “الكتاب الأبيض” المعتمد في الديمقراطيات الغربية والذي تقترحونه قد يكون مناسباً للحالة اللبنانيّة؟
إن اقتراح اعتماد “كتاب ابيض” للدفاع والأمن الوطني، كما هو الحال في الأنظمة الديمقراطية المتقدّمة، هو في نظرنا الطريق الأمثل لطرح ومعالجة الموضوع بحيث يظهر ما نحن عليه اليوم من الناحية الدفاعيّة والأمنية عامّةً وما هو الخلل الحالي وما هي المخاطر التي يجب مواجهتها وما هي نقاط الضعف في التركيبة اللبنانيّة من مختلف الجوانب وما هي مصالحنا الحيويّة؛ كما أنها تظهر أيضا ما هي توقّعاتنا للتطوّرات التي ستؤثّر على محيطنا المباشر وما هي إمكانياتنا وما هي تطلّعات الشركاء بالوطن كافّة في ما خصّ أمننا الوطني. وعلى أساس الأجوبة التي نكون قد نلناها على أسئلتنا هذه نبني سياسة للدفاع وللأمن الوطني. على أي حال ليس بإمكاننا أن نبني سياسة للدفاع وللأمن الوطني إذا بدأنا بطرح الموضوع من ناحية سياسيّة (سلاح حزب لله فقط لا غير) ومن جانب ضيّق (عسكريّ تقني) ومن دون إعادة تقييم شاملة لوضعنا الدفاعي والأمني العام.